الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقد صحح العلماء الأعلام أنها لا تكون في الجنة قطعا لأن اللّه سماها فاحشة هنا وخبثا في الآية 73 من سورة الأنبياء في ج 2، والجنة منزهة عن الفواحش والخبائث، قال بعض العارفين واللّه الذي لا إله إلا هو لو لم يذكر اللّه عمل قوم لوط في كتابه ما خطر ببالي كونه واقعا أو يقع، وذلك لطهارة سريرته وكماله، لأن الكامل لا يرى النقص، وألحق بعض العلماء السّحاق باللواطة، وبدأ أيضا في قوم لوط، لأن رجالهم لما استغني بعضهم ببعض بعد أن ألفوا اللواطة تركوا نساءهم، فصارت المرأة منهم تأتي الأخرى.جاء عن حذيفة رضي اللّه عنه قال: إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وعن أبي عمرة قال: قلت لمحمد بن علي، عذب اللّه نساء قوم لوط بعمل رجالهم، فقال له: اللّه أعدل من ذلك، استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فعذبهن كما عذبهم جزاء وفاقا.وعن علي كرم اللّه وجهه قال على المنبر سلوني، فقال ابن الكواء هل تؤتى النساء في أعجازهن؟ فقال سفلت وسفّه اللّه بك، ألم تسمع قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ} هذا وإن العلماء صرحوا بأن حرمة اللواطة أشدّ من الزنى عقلا وطبعا وشرعا، أما عقلا وطبعا فإن العقول السليمة والطبيعة الطاهرة لم تألفه لشدة قبحه فعلا ومحلا، وأما شرعا فلأن حرمة الزنا تزول بالتزويج والحد والشراء إذا كان المفعول به رقيقا ولا يمكن شيء من ذلك في اللواطة.وقول الإمام بعدم الحدّ تعليظا لأن الحد مطهر عنده، وبه قال أكثر العلماء، وعليه فيلقى اللّه من أجري عليه الحد خاليا مما عمله بخلاف ما لا حد فيه كاللواطة، فإنه يلقى اللّه فاعلها ملوثا بجرمه.هذا، وإن بعض السفهاء والفسقة خبيثي النفوس نجسي العقيدة كابن الوليد المذكور أخزاهم اللّه جميعا وأذلهم، يفتخرون بمثل هذه الفعلة الفظيعة ومنهم يفعلها انتقاما انتقم اللّه منه في الدنيا والآخرة، ومن المفعول بهم من اتخذها مهنة، أهانه اللّه، ومنهم من يقدم نفسه لبعض الخبثاء أمثالهم من الموظفين ومن هو واسطة لهم لعنهم اللّه وأزال نعمه عنهم ليوظفه أضافه اللّه لإخوانه قوم لوط، وفضحهم في الدنيا وعذبهم في الآخرة، ومنهم من ابتلي بها والعياذ باللّه حتى أنهم ليعطون مالا لمن يفعل بهم وهم كثيرون في زماننا، ولا حول ولا قوة إلا باللّه، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، لأنهم تقوا بنعمتك على معصيتك.قال تعالى: {وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْبًا} بن ثوبب بن مدين بن إبراهيم عليهما السلام، أي أرسله إلى قومه ولد مدين ومدين صارا اسما للقبيلة، وكان عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، وكانوا كافرين ينقصون الكيل ويبخسون الميزان، فبادر بنصحهم وتحذيرهم عاقبة أمرهم {قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ} موعظة {مِنْ رَبِّكُمْ} فاتعظوا بها، ولم تذكر لسيدنا شعيب معجزة في القرآن والقول بأنه لم يكن له معجزة غلط لأن الفاء في قوله جل قوله: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ} أتت لترتيب الأمر على مجيء البينة، والقول بأنها عاطفة على {اعْبُدُوا} بعيد لا يكاد يقوله عارف، وعدم ذكرها في القرآن لا يدل على عدم تخصيصه بشيء من المعجزات التي لابد لكل نبي منها دلالة على صدق دعوته مما من شأنه أن يعجز البشر على مثله، ومن المعلوم أن ليس كل آيات الأنبياء مذكورة في القرآن العظيم وما من عموم إلا وقد خصص، وروي أنه لما كان موسى عليه السلام عنده يرعى بغنمه حاربت عصاه التنين، وهذه العصا أعطاه إياها شعيب عليه السلام وهي عصا آدم، وقد وقعت على يد موسى سبع مرات وهو عند شعيب، وقد وعد موسى بأن يكون له الدرع من أولاد غنمه، فولدت كلها درعا، وهذه معجزة أيضا إذ لم يسبق أن أغناما كثيرة تلد كلها درعا على نمط واحد، ولم يكن موسى إذ ذاك نبيا لتكون هذه المعجزات له، فتكون كلها لشعيب.هذا، وبعد أن أهلك اللّه قومه أرسله إلى أصحاب الأيكة فأهلكهم اللّه بعذاب يوم الظلة كما سيأتي في الآية 189 من سورة الشعراء الآتية، ولم يبعث اللّه نبيا مرتين غيره فهذا من خصائصه أيضا وهي فضيلة عظيمة، وقيل إنه بعث مرة ثالثة إلى أصحاب الرّس المبينة في الآية 12 من سورة ق المارة، وإن إهلاك قومه مرتين لعدم اجابتهم دعوته بعد معجزة أيضا.
أي صارت وعليه يكون المعنى أو لتصيرنّ على ملتنا {قالَ} لهم شعيب عليه السلام على طريق الاستفهام الإنكاري {أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ 88} أي أتريدون أن نفعل أحد الأمرين كرها لأن الواو هنا للحال، وكأنهم قالوا له نعم كرها فقال عليه السلام {قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فيما وعظناكم به {إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ} الضالة المهلكة {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها} واتضح لنا بطلانها وقد نظم نفسه في جملة المؤمنين مع أنه كان بريئا مما كانوا عليه لأن الكفر على الأنبياء محال، ولكنه تكلم بلسان قومه المؤمنين مجريا الكلام على حكم التغليب {وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها} وهي ملة الكفر ونترك الحق الذي نحن عليه {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا} خذلاننا ومنعنا من الطاقة القدسية، فحينئذ يمضي فينا قضاؤه وقدره تنفيذا لسابق علمه، وهذا القول من شعيب على لسان قومه المؤمنين أيضا الذين لا يقدرون أن يردوا عليهم لضعفهم وهو من قبيل الاستسلام لمشيئة اللّه، لأن الأنبياء والكاملين دائما يخافون العاقبة وانقلاب الأمر لعلمهم ان الإله لا يقيد ولا يسأل عما يفعل، فإن العبد كلما ازداد قربا من ربه ازداد خوفا منه ومعرفة بعظمته.قال الخليل عليه السلام {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} الآية 35 من سورة ابراهيم في ج 2 وكان محمد صلّى اللّه عليه وسلم يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ومن المعلوم بداهة ان ابراهيم يجتنب الأصنام وان محمدا ثابت قلبه على دين ربه، وعليه يكون معنى الاستثناء: إلا أن يكون قد سبق في علمك ومشيئتك أن نعود فيها.يدل على هذا قوله: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} بما كان قبل أن يكون وما سيكون قبل تكوينه.ونظير هذا قول إبراهيم في الآية 80 من سورة الأنعام في ج 2 لأنه لما ردّ الأمر إلى المشيئة وهي غيب عليه مجد اللّه بالانفراد بعلم الغيب، وكذلك شعيب لما رد المشيئة إلى اللّه مجده بقوله وسع إلخ وقال: {عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا} في أمورنا كلها فقد أظهر عجزه للّه واعتماده عليه وحده وأعرض عن المفاوضة مع الكافرين إذ رأى إصرارهم وأيس من ايمانهم، ثم قال هو والمؤمنون به {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا} الذين لم يؤمنوا بك وهم مكلفون أن يؤمنوا إيمانا {بِالْحَقِّ} الواجب عليهم اتباعه وسلوكه {وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ 89} الحاكمين، وفتح هنا بمعنى حكم وقضى بلغة اليمن وفرقة من حمير ومراد قال قائلهم: أي غني عن قاضيهم وإن اهل عمان يسمون القاضي فاتحا، ويؤذن قوله عليه السلام بانه ترك الأسباب إلى مسبها واقبل إلى ربه بمن معه {وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} لبعضهم {لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا} وتركتم دين آبائكم الذي عليه أسلافكم من قبل {إِنَّكُمْ إِذًا لَخاسِرُونَ 90} مغبونون لخلافكم اوائلكم وحرمانكم من فوائد البخس والتطفيف الذي ينهاكم عنه فلما أظهر اللّه للناس إصرارهم على الكفر والمعاصي أهلكهم {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ 91} تقدم تفسيره آنفا في الآية 78 المارة قال تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي ذهبوا وكأنهم لم يوجدوا في الدنيا دهرا طويلا برغادة عيش وهذا معنى غنى وضده الفقر قال حاتم: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ 92} أنفسهم ونشبهم في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة {فَتَوَلَّى} شعيب {عَنْهُمْ} أي المهلكين {وَقالَ} آسفا على عدم إيمانهم ومبيّنا تقصيرهم وعدم تقصيره بإرشادهم {يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى} أحزن وأتوجع {عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ 93} أي لا يجب على ذلك لأني لم آل جهدا في نصحهم، وانما قال هذا لأنه كان يتوقع منهم الإيمان وكانوا كثيرين لذلك أحس بالحزن عليهم واشتد به الأمر حتى قال ما قال وعزّى نفسه بأنهم هم الذين اهلكوا أنفسهم بإصرارهم على الكفر وعدم التفاتهم إلى نصحه وقد تقدم إليهم بالمعذرة وهكذا عاقبة كل أمة لم تؤمن برسولها وهو شأن صغار العقول الذين يقال فيهم:
|